فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{ذلك} أي الأمر ذلك. {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} ولم يزد في الاقتصاص، وإنما سمي الابتداء بالعقاب الذي هو الجزاء للازدواج أو لأنه سببه. {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} بالمعاودة إلى العقوبة. {لَيَنصُرَنَّهُ الله} لا محالة. {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام وأعرض عما ندب الله إليه بقوله ولَمن صبر وغفران ذلك لَمِنْ عزمِ الأمور وفيه تعريض بالحث على العفو والمغفرة، فإنه تعالى مع كمال قدرته وتعالى شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك أولى، وتنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده.
{ذلك} أي ذلك النصر. {ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ اليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الَّيْلِ} بسبب أن الله تعالى قادر على تغليب الأمور بعضها على بعض، جار عادته على المداولة بين الأشياء المتعاندة ومن ذلك إيلاج أحد المَلَوَيْنِ في الآخر، بأن يزيد فيه ما ينقص منه، أو بتحصيل ظلمة الليل في مكان ضوء النهار بتغييب الشمس وعكس ذلك باطلاعها. {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} يسمع قول المعاقب والمعاقب. {بَصِيرٌ} يرى أفعالهما فلا يهملهما.
{ذلك} الوصف بكمال القدرة والعلم. {بِأَنَّ الله هُوَ الحق} الثابت في نفسه الواجب لذاته وحده، فإن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكل ما يوجد سواه عالمًا بذاته وبما عداه. أو الثابت الإِلهية ولا يصلح لها إلا من كان قادرًا عالمًا. {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} إلهًا، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتاء على مخاطبة المشركين، وقرأ بالبناء للمفعول فتكون الواو لما فإنه في معنى الآلهة. {هُوَ الباطل} المعدوم في حد ذاته، أو باطل الألوهية. {وَأَنَّ الله هُوَ العلي} على الأشياء. {الكبير} على أن يكون له شريك لا شيء أعلى منه شأنًا وأكبر منه سلطانًا.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً} استفهام تقرير ولذلك رفع. {فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} عطف على {أَنَزلَ} إذ لو نصب جوابًا لدل على نفي الاخضرار كما في قولك: ألم تر أني جئتك فتكرمني، والمقصود إثباته وإنما عدل به عن صيغة الماضي للدلالة على بقاء أثر المطر زمانًا بعد زمان. {إِنَّ الله لَطِيفٌ} يصل علمه أو لطفه إلى كل ما جل ودق. {خَبِيرٌ} بالتدابير الظاهرة والباطنة.
{لَّهُ مَا فِي السماوات وما فِي الأرض} خلقًا وملكًا. {وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني} في ذاته عن كل شيء. {الحميد} المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَا فِي الأرض} جعلها مذللة لكم معدة لمنافعكم. {والفلك} عطف على {مَا} أو على اسم {أَنَّ}، وقرئ بالرفع على الابتداء. {تَجْرِى في البحر بِأَمْرِهِ} حال منها أو خبر. {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} من أن تقع أو كراهة بأن خلقها على صورة متداعية إلى الاستمساك. {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} إلا بمشيئته وذلك يوم القيامة، وفيه رد لاستمساكها بذاتها فإنها مساوية لسائر الأجسام في الجسمية فتكون قابلة للميل الهابط قبول غيرها. {إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث هيأ لهم أسباب الاستدلال وفتح عليهم أبواب المنافع ودفع عنهم أنواع المضار.
{وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ} بعد أن كنتم جمادًا عناصر ونطفًا. {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} إذا جاء أجلكم. {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في الآخرة. {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} لجحود لنعم الله مع ظهورها.
{لِكُلّ أُمَّةٍ} أهل دين. {جَعَلْنَا مَنسَكًا} متعبدًا أو شريعة تعبدوا بها، وقيل عيدا. {هُمْ نَاسِكُوهُ} ينسكونه. {فَلاَ ينازعنك} سائر أرباب الملل. {فِي الأمر} في أمر الدين أو النسائك لأنهم بين جهال وأهل عناد، أو لأن أمر دينك أظهر من أن يقبل النزاع، وقيل المراد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى قولهم وتمكينهم من المناظرة المؤدية إلى نزاعهم، فإنها إنما تنفع طالب الحق وهؤلاء أهل مراء، أو عن منازعتهم كقولك: لا يضار بك زيد، وهذا إنما يجوز في أفعال المبالغة للتلازم، وقيل نزلت في كفار خزاعة قالوا للمسلمين: ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله، وقرئ {فَلاَ ينزعنك} على تهييج الرسول والمبالغة في تثبيته على دينه على أنه من نازعته فنزعته إذا غلبته. {وادع إلى رَبّكَ} إلى توحيده وعبادته. {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} طريق إلى الحق سوي.
{وَإِن جادلوك} وقد ظهر الحق ولزمت الحجة. {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من المجادلة الباطلة وغيرها فيجازيكم عليها، وهو وعيد فيه رفق.
{الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين بالثواب والعقاب. {يَوْمَ القيامة} كما فصل في الدنيا بالحجج والآيات. {فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض} فلا يخفى عليه شيء. {إِنَّ ذلك فِي كتاب} هو اللوح كتبه فيه قبل حدوثه فلا يهمنك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له. {إِنَّ ذلك} إن الإِحاطة به وإثباته في اللوح المحفوظ، أو الحكم بينكم. {عَلَى الله يَسِيرٌ} لأن علمه مقتضى ذاته المتعلق بـ كل المعلومات على سواء.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} حجة تدل على جواز عبادته. {وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} حصل لهم من ضرورة العقل أو استدلاله. {وما للظالمين} وما للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم. {مِن نَّصِيرٍ} يقرر مذهبهم أو يدفع العذاب عنهم.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} من القرآن. {بينات} واضحات الدلالة على العقائد الحقية والأحكام الإِلهية. {تَعْرِفُ في وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر} الإنكار لفرط نكيرهم للحق وغيظهم لأباطيل أخذوها تقليدًا، وهذا منتهى الجهالة وللإِشعار بذلك وضع الذين كفروا موضع الضمير أو ما يقصدونه من الشر {يكادون يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} يثبون ويبطشون بهم. {قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم} من غيظكم على التالين وسطوتكم عليهم، أو مما أصابكم من الضجر بسبب ما تلوا عليكم. {النار} أي هو النار كأنه جواب سائل قال: ما هو، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره: {وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} وقرئ بالنصب على الاختصاص وبالجر بدلًا من شر فتكون الجملة استئنافًا كما إذا رفعت خبرًا أو حالًا منها. {وَبِئْسَ المصير} النار.
{يأَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ} بين لكم حال مستغربة أو قصة رائعة ولذلك سماها مثلًا، أو جعل لله مثل أي مثل في استحقاق العبادة. {فاستمعوا لَهُ} للمثل أو لشأنه استماع تدبر وتفكر. {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} يعني الأصنام، وقرأ يعقوب بالياء وقرئ مبنيًّا للمفعول والراجع إلى الموصول محذوف على الأولين. {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا} لا يقدرون على خلقه مع صغره لأن {لَنْ} بما فيها من تأكيد النفي دالة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه، و{الذباب} من الذب لأنه يذب وجمعه أذبة وذبان. {وَلَوِ اجتمعوا لَهُ} أي للخلق هو بجوابه المقدر في موضع حال جيء به للمبالغة، أي لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه فكيف إذا كانوا منفردين. {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} جهلهم غاية التجهيل بأن أشركوا إلهًا قدر على المقدورات كلها وتفرد بإيجاد الموجودات بأسرها تماثيل هي أعجز الأشياء، وبين ذلك بأنها لا تقدر على خلق أقل الأحياء وأذلها ولو اجتمعوا له، بل لا تقوى على مقاومة هذا الأقل الأذل وتعجز عن ذبه عن نفسها واستنقاذ ما يختطفه من عندها. قيل كانوا يطلونها بالطيب والعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله. {ضَعُفَ الطالب والمطلوب} عابد الصنم ومعبوده، أو الذباب يطلب ما يسلب عن الصنم من الطيب والصنم يطلب الذباب منه السلب، أو الصنم والذباب كأنه يطلبه ليستنقذ منه ما يسلبه ولو حققت وجدت الصنم أضعف بدرجات.
{مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة. {إِنَّ الله لَقَوِىٌّ} على خلق الممكنات بأسرها. {عَزِيزٌ} لا يغلبه شيء وآلهتهم التي يعبدونها عاجزة عن أقلها مقهورة من أذلها.
{الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلًا} يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي. {وَمِنَ الناس} يدعون سائرهم إلى الحق ويبلغون إليهم ما نزل عليهم، كأنه لما قرر وحدانيته في الألوهية ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها بين أن له عبادًا مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم والإِقتداء بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وهو أعلى المراتب ومنتهى الدرجات لمن سواه من الموجودات تقريرًا للنبوة وتزييفًا لقولهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} والملائكة بنات الله تعالى، ونحو ذلك. {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} مدرك للأشياء كلها.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ} عالم بواقعها ومترقبها. {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} وإليه ترجع الأمور كلها لأنه مالكها بالذات لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسألون.
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اركعوا واسجدوا} في صلاتكم، أمرهم بهما لأنهم ما كانوا يفعلونها أول الإِسلام، أو صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها، أو اخضعوا لله وخروا له سجدًّا. {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} بسائر ما تعبدكم به. {وافعلوا الخير} وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون كنوافل الطاعات وصلة الأرحام ومكارم الأخلاق. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له واثقين على أعمالكم، والآية آية سجدة عندنا لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولقوله عليه الصلاة والسلام «فضلت سورة الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرؤها» {وجاهدوا في الله} أي لله ومن أجله أعداء دينه الظاهرة كأهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس. وعنه عليه الصلاة والسلام أنه رجع من غزوة تبوك فقال «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» {حَقَّ جهاده} أي جهادًا فيه حقًّا خالصًا لوجهه فعكس وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة كقولك: هو حق عالم، وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعًا أو لأنه مختص بالله من حيث إنه مفعول لوجه الله تعالى ومن أجله. {هُوَ اجتباكم} اختاركم لدينه ولنصرته، وفيه تنبيه على المقتضى للجهاد والداعي إليه وفي قوله: {وما جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم، إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه ولا عذر لهم في تركه، أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به من حيث شق عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام «إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم» وقيل ذلك بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجًا بأن رخص لهم في المضايق وفتح عليهم باب التوبة، وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد {مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم} منتصبة على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف أي: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، أو على الإِغراء أو على الاختصاص، وإنما جعله أباهم لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالأب لأمته من حيث إنه سبب لحياتهم الأبدية ووجودهم على الوجه المعتد به في الآخرة، أو لأن أكثر العرب كانوا من ذريته فغلبوا على غيرهم.
{هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ} من قبل القرآن في الكتب المتقدمة. {وفي هذا} وفي القرآن، والضمير لله تعالى ويدل عليه أنه قرئ {الله سماكم}، أو لـ: {إبراهيم} وتسميتهم بمسلمين في القرآن وإن لم تكن منه كانت بسبب تسميته من قبل في قوله: {وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} وقيل وفي هذا تقديره وفي هذا بيان تسميته إياكم مسلمين. {لِيَكُونَ الرسول} يوم القيامة متعلق بـ سماكم. {شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} بأنه بلغكم فيدل على قبول شهادته لنفسه اعتمادًا على عصمته، أو بطاعة من أطاع وعصيان من عصى. {وَتَكُونُواْ شهداء عَلَى الناس} بتبليغ الرسل إليهم. {فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكوة} فتقربوا إلى الله تعالى بأنواع الطاعات لما خصكم بهذا الفضل والشرف. {واعتصموا بالله} وثقوا به في مجامع أموركم ولا تطلبوا الإِعانة والنصرة إلا منه. {هُوَ مولاكم} ناصركم ومتولي أموركم {فَنِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير} هو إذ لا مثل له سبحانه في الولاية والنصرة، بل لا مولى ولا نصير سواه في الحقيقة. عن النبي عليه الصلاة والسلام «من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي». اهـ.
{ذلك} تقديره هنا: الأمر ذلك كما يقول الكاتب هذا وقد كان كذا إذا أراد أن يخرج إلى حديث آخر.
{وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} سمى الابتداء عقوبة باسم الجزاء عليها تجوّزًا كما تسمى العقوبة أيضًا باسم الذنب ووعد بالنصر لمن بغى عليه {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} إن قيل ما مناسبة هذين الوصفين للمعاقبة؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أن في ذكر هذين الوصفين إشعار بأن العفو أفضل من العقوبة، فكأنه حض على العفو، والثاني أن في ذكرهما إعلامًا بعفو الله عن المعاقب حين عاقب، ولم يأخذ بالعفو الذي هو أولى.
{ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل} أي ذلك النصر بسبب أن الله قادر، ومن آيات قدرته أنه {يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل} ومعنى الإيلاج هنا أنه يدخل ظلمة هذا في مكان ضوء هذا، ويدخل ضوء هذا مكان ظلمة هذا، وقيل: الإيلاج هو ما ينقص من أحدهما ويزيد في الآخر.
{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} أي ذلك الوصف الذي وصف الله به هو بسبب أنه الحق {فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} تصبح هنا بمعنى تصير، وفهم بعضهم أنه أراد صبيحة ليلة المطر، فقال: لا تصبح الأرض مخضرة إلا بمكة، والبلاد الحارة، وأما على معنى تصير، فذلك عام في كل بلد، والفاء للعطف، وليست بجواب، ولو كانت جوابًا لقوله: {أَلَمْ تَرَ} لنصبت الفعل، وكان المعنى نفي خضرتها وذلك خلاف المقصود، وإنما قال: {تُصْبِحُ} بلفظ المضارعة ليفيد بقاءها كذلك مدة {سَخَّرَ لَكُم مَا فِي الأرض} يعني البهائم والثمار والمعادن وغير ذلك {أَن تَقَعَ} في موضع مفعول على تقدير عن أن تقع، وقال الزمخشري: كراهة أن تقع فهو مفعول من أجله {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} يحتمل أن يريد يوم القيامة، فجعل طي السماء كوقوعها أو يريد بإذنه لو شاء متى شاء {أَحْيَاكُمْ} أي أوجدكم بعد العدم، وعبّر عن ذلك بالحياة؛ لأن الإنسان قبل ذلك تراب فهو جماد بلا روح، ثم أحياه بنفخ الروح {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} يعني الموت المعروف {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} يعني البعث {لَكَفُورٌ} أي جحود للنعمة {مَنسَكًا} هو اسم مصدر لقوله: {نَاسِكُوهُ} ولو كان اسم مكان لقال ناسكون فيه {فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ} ضمير الفاعل للكفار، والمعنى: أنه لا ينبغي منازعة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الحق قد ظهر بحيث لا يسع النزاع فيه، فجاء الفعل بلفظ النهي والمراد غير النهي، وقيل: إن المعنى لا تنازعهم فينازعونك، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، ويحتمل أن يكون نهيًّا لهم عن المنازعة على ظاهر اللفظ {فِي الأمر} أي في الدين الشريعة أو في الذبائح {وادع إلى رَبِّكَ} أي ادع الناس إلى عبادة ربك.